recent
أخبار ساخنة

بحث كامل حول انواع الدساتير

بحث كامل حول انواع الدساتير

خطة البحث

مقدمة
المبحث الأول : أنواع الدساتير حسب طريقة تدوينها
المطلب الأول : الدساتير المكتوبة
الفرع الأول : تعريف الدساتير المكتوبة
الفرع الثاني : مبررات الدساتير المكتوبة
المطلب الثاني : الدساتير العرفية
الفرع الأول : تعريف الدساتير العرفية
الفرع الثاني : مكانة العرف الدستوري
المبحث الثاني :أنواع الدساتير من حيث التعديل
المطلب الأول: الدساتير الجامدة
الفرع الأول : تعريف الدساتير الجامدة
الفرع الثاني : حظر التعديل
المطلب الثاني : الدستور المرن
الفرع الأول : تعريف الدستور المرن
الفرع الثاني : مزايا و عيوب الدستور المرن
الخاتمة

مقدمــــــــــــة

ليست الدول جميعا من نمط واحد من حيث تكوينها السياسي ، و كيفية ممارستها للسلطة لكن دولة بدستور هي أفضل من دولة بلا دستور ،حيث تحظى الدساتير في الدول الحديثة بمكانة متميزة ، فالدستور هو القانون الأسمى للدولة ، و هـو الذي يحتوي على الأهـداف الوطنية و الغايات المنشودة و ينظم السلطات العامة في الدولة ، و يبين حقوق و حريات المواطنين و مهما كانت عيوب الدستور فإنه يسهم بقدر كبير في دعم الحرية و ينظم الصراع على السلطة و ما من دولة نشأت في أي عصر إلا و قامت على قواعد سياسية معينة تنظم سلطاتها و تبين صلاحياتها، و قد تنشأ هذه القواعد في صورة أعراف و تقاليد متواترة تنال الرضا و الاحترام فيصبح دستور الدولة في هذه الحالة عرفيا ، و قد تصدر تلك القواعد في شكل وثيقة أو مجموعة وثائق مكتوبة ، يصدره مشرعا مختصا فيصبح الدستور مكتوبا و مما سبق نتوصل إلى نتيجة حتمية حول تقسيم الدساتير من حيث طريقة التدوين ، و لا يمكننا أن نغفل عن التقسيم الأخر الذي يجب معرفته و الإلمام به ، و هو تقسيم الدساتير من حيث كيفية تعديلها فإذا كان من اليسير تعديل الدستور بمثل أي قانون عادي فنحن بصدد دستور مرن ، أما إذا كانت قداسة الدستور و حرمته تتطلب عدم المساس به ما أمكن إلا في فترات متباعدة و بعد ظهور ما يقتضي تعديله فنحن بصدد الحديث عن الدستور الجامد و هذا التقسيم المعمول به في جميع الدول الحديثة و حسب فقهاء القانون الدستوري ، وهناك نوع أخر نتعرض إليه على سبيل الاستئناس حيث ذكره الفقيه موريس دوفيرجي من حيث المضمون أن هناك دستور قانون و دستور برنامج و هذا للتمييز بين دساتير البلدان الليبرالية و البلدان الاشتراكية ، و إذا أصبح اليوم من المسلمات أن الدساتير تعرف بالتقسيم من حيث التعديل و التدوين فما قيمة هذا التقسيم ؟ و هل يعد هذا التقسيم نسبي أم مطلق في الحياة العملية ؟
و على هذا الأساس ارتأينا دراسة هذا الموضوع من خلال مبحثين :

المبحث الأول : أنواع الدساتير حسب طريقة تدوينها
المبحث الثاني :أنواع الدساتير حسب آلية التعديل

المبحث الأول أنواع الدساتير حسب طريقة تدوينها

في عصر يتسم بتنامي الصراع على السلطة لا يعقل أن ينتظر أفراد أي دولة نشوء الأعراف من أجل البث في نزاعاتهم و تنظيم شؤونهم ، و هكذا أصبحت السمة الغالبة هي إصدار الدساتير المكتوبة فما هي الدساتير المكتوبة ؟ هذا ما سنعمل على التعريف به في هذا المبحث.

المطلب الأول : الدساتير المكتوبة

حينما يكون المصدر الأساسي للدستور هو النصوص المكتوبة ، يمكننا وصف الدستور بأنه مدون أو مكتوب و سنتعرض بشيء من التفصيل لهذا النوع من الدساتير.
الفرع الأول : تعريف الدساتير المكتوبة
إن تنامي الوعي السياسي و الثقافي و الرقي الحضاري الناجم عن استقرار الدول أنتج حركة فكرية تأخذ في الحسبان تطلعات المواطنين و مطالبهم ،خوفا من عصيانهم(1).
وهكذا فإن الربع الأخير من القرن الثامن عشر ، شهد ميلاد عصر الدساتير المكتوبة «ويقصد بالدستور المكتوب ذلك الدستور المدون في وثيقة أو عدة وثائق معينة، كدستور السنة الثالثة الفرنسية 1875 الذي صدر في ثلاث وثائق تتضمن المبادئ و القواعد التي تنظم السلطات العامة في الدولة»(2) .
و قد عمت فكرة الدساتير المكتوبة غالبية الدول ، و تعد الجزائر من الدول ذات الدساتير المكتوبة منذ الاستقلال إذ صدرت دساتير 1963،1976 و تعديلي 1989، 1996 ،وبذلك أصبحت الدساتير المكتوبة رمزا من رموز الدول العصرية و علامة من علامات تطورها السياسي و الحضاري.
_________________
1- إبراهيم أبو خزام،الوسيط في القانون الدستوري:الدساتير و الدولة و نظم الحكم،دار الكتاب الجديد المتحدة ،ط 3 ، 2010، ص 56 .
2- سعيد بوشعير،القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة،الجزء الأول النظرية العامة للدولة و الدستور، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، ط 10 ،2009 ، ص 184 .

الفرع الثاني : مبررات الدساتير المكتوبة
إن الاعتقاد السائد اليوم لدى معظم فقهاء القانون الدستوري هو ضرورة تدوين الدستور،فالقواعد الأساسية لأنظمة الحكم الحديثة لا يمكن تركها للأعراف ،حيث أن الدساتير المدونة تمتاز بالدقة و الوضوح.
إن عوامل كثيرة تدفع نحو ضرورة تدوين الدستور و نذكر من أهمها :
1-«إن الدستور المكتوب يلعب دورا كبيرا في تربية المواطنين وتعريفهم بحقوقهم وبحدود سلطة الحكام وبالتالي يمكنهم من مراقبتهم وإقصائهم من السلطة عند الضرورة»(1) .
2- «حاجة الدول حديثة الاستقلال لتنظيم شؤونها و بناء حكم يسوده الاستقرار تجنا للفوضى وإلى جانب ذلك فإن هناك بعض الدول التي لا يمكن أن تضمن بقائها إلا بوضع دستور مكتوب و هذا حال الدول المتحدة مركزيا أو فيدراليا ، و ذلك لأن ضرورة بقائها تستدعي بيان اختصاصات السلطات المحلية أو المركزية حتى لا تتحول إلى دول بسيطة »(2).
3- ينظر علماء القانون الدستوري إلى أن تدوين الدستور ينطوي على شكل من أشكال تجديد العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الجماعة السياسية ، فالدستور بهذا المعنى يصبح في نظر المواطن بأنه العقد الذي يبين له الحقوق في مواجهة السلطة و الواجبات تجاه الأمة .
و خلاصة الأمر فإن فكرة الدساتير المكتوبة قد انتصرت ، و أصبحت حركة التدوين من بديهيات الدول الحديثة، و باستثناء بريطانيا ،فانه ما من دولة عصرية تقبل بغير حكم الدستور فالظاهرة الاعتباطية في حكم الدول قد ولى زمانها (3) .
ومع كل ذلك لا يمكننا أن نغفل عن عيوب الدساتير المكتوبة لأنها في نهاية المطاف من صنع البشر« فقد تصاب بالجمود و بالتالي لا تساير التطور، و تحت الإلحاح الشديد للظروف وإذا لم تعدل في الوقت اللازم قد تتم محاولة تغيرها بالعنف ، ضف إلى ذلك أن واضعي الدستور قد يكونون تحت تأثير ظرف من الظروف السائدة مما يؤدي إلى اعتماد أحكام في الدستور قد لا تتماشى مع مصلحة البلاد » (4) .
_____________
1- الامين شريط ، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ط 6، 2008 ، ص113 .
2- سعيد بوشعير، مرجع سابق ، ص 184 .
3 _ إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 58 .
4- حسني بوديار ، الوجيز في القانون الدستوري ، دار العلوم للنشر و التوزيع ، الجزائر ، 2003 ، ص 86 .

المطلب الثاني : الدساتير العرفية

إن الدولة بمعناه الحديث ، لم تتشكل فجأة فقد مرت بأطوار عديدة، و تشكلت خلال هذه الأطوار مجموعة من قواعد العرف ، هي التي كونت الدساتير العرفية لهذه الدول .
الفرع الأول : تعريف الدساتير العرفية
تعتبر الدساتير العرفية الأسبق وجودا فإلى أواخر القرن الثامن عشر اعتمدت ممالك أوربا في تنظيم شؤونها السياسية على قواعد الدستور العرفي .
و من هنا فإن «الدستور العرفي عبارة عن سلوكات تتعلق بالسلطة و ممارستها و كل ما يلحق بذلك من أعراف و تقاليد و مبادئ عامة أو قيم أخلاقية تتبلور تدريجيا عبر الزمن حتى تصبح مشكلة لدستور عرفي » (1).
وهذا يعني أن للعرف ركنين : الركن المادي والمتمثل بالسلوك ، والركن المعنوي المتمثل بحصول الرضا عن هذا السلوك بوصفه قانونا ملزما.
و تعد بريطانيا النموذج الوحيد للدستور العرفي حيث يشتهر المجتمع البريطاني بالمحافظة على تقاليده و أعرافه ، إلا أن هذا الدستور تكمله عدد من الوثائق الدستورية المكتوبة التي بدأت في الظهور منذ قرون عديدة و نذكر على سبيل المثال لا الحصر الميثاق الأعظم الماجناكارتا الصادر عام 1215 م ،قانون وراثة العرش لسنة 1701 (2) .
فمن مميزات الدساتير العرفية إنها مرنة و هذا ما يجعلها ملائمة للظروف المتغيرة لأنها سهلة التعديل في الأزمات و فترات الانتقال .
و من عيوبها أنها غير ملائمة للأنظمة الديمقراطية على حد قول البعض لأن النظم الديمقراطية يجب أن تقوم على أسس مكتوبة و واضحة ، كما تعطي صلاحيات واسعة للقضاء لاكتشاف الأسس الدستورية من العادات و القوانين ضف إلى ذلك الخلاف حول متى تكونت القاعدة العرفية(3).
_____________
1- الامين شريط ، مرجع سابق ، ص 112.
2_ إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 53 .
3- حسني بوديار ، مرجع سابق ،ص 86 .

الفرع الثاني : مكانة العرف الدستوري
كما سبق الإشارة إليه فان الدستور العرفي ، هو دستور متكامل ينظم معظم شؤون الحكم في الدولة ، ففي بريطانيا مثلا مسؤولية الوزارة أمام مجلس العموم دون مجلس اللوردات هي قاعدة دستورية عرفية .
أما العرف الدستوري فهو مجموعة من القواعد و التقاليد التي تنشأ مع الدستور المكتوب و ليس بمعزل عنه ، و هي عادة قواعد مكملة للقواعد المكتوبة أو مفسرة لها فالواقع أن الدستور المكتوب ، مهما بلغت براعة واضعيه و سعة خيالهم ، إلا أنه يولد ناقصا في بعض تفاصيله و في كيفية العمل بهذه النصوص و لهذا السبب فإن الممارسة العملية ترسي قواعد عرفية مصاحبة لنصوص الدستور.
لكن الجدل القانوني يتعلق بالعرف الدستوري ، حيث يذهب اتجاه كبير في فقه القانون الدستوري ، إلى أن العرف الدستوري مثله مثل النص المكتوب في القوة ،إن هذه النظرة قد تكون مقبولة فيما يخص الأعراف الناشئة لاستكمال نصوص الدستور، لكنها مغالية كثيرا عندما يتعلق الأمر بإلغاء نصوص الدستور المكتوبة ، و عليه فإن الاتجاه الأكثر اعتدالا لا يقبل المساواة بين النص المكتوب و العرف الدستوري (1) .
و مثال عن ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن تنظيم الأحزاب السياسية و صلاحيات القضاء الفدرالي تستند إلى العرف السياسي لا إلى الدستور المكتوب (2).
_________________
1_ إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 55 .
2- حسني بوديار ، مرجع سابق ، ص 87 .

<><>

المبحث الثاني أنواع الدساتير من حيث التعديل

تنقسم الدساتير وفقا لطريقة تعديلها إلى نوعين هما الدستور المرن و الدستور الجامد

المطلب الأول: الدساتير الجامدة

الدستور الجامد هو الذي يتطلب تعديله إجراءات خاصة كما سنعرفه خلال هذا الفرع
الفرع الأول :تعريف الدساتير الجامدة
«الدستور الجامد هو الذي لا يمكن تعديله إلا بإتباع إجراءات خاصة و معقدة تشكل عائقا أمام السلطة الحاكمة ، حتى لا تتلاعب به و تعدله حسب أهوائها ، كما يحضر التعديل نهائيا بالنسبة لبعض الأحكام » (1) .
حيث أن الدستور الجامد يتمتع وحده بعلوه و سموه على القواعد القانونية العادية و لا يمكن و الحالة هذه للقاعدة الدنيا مخالفة القاعدة التي تعلوها في المرتبة استنادا لمبدأ التدرج القانوني هذا من ناحية و من ناحية أخرى يتضح الفرق بين القوانين العادية ، التي لا تتطلب سوى الموافقة العادية للجمعية الوطنية ، و بين الدستور الجامد الذي يتطلب إجراءات و ضمانات خاصة محددة و ثابتة لتعديله (2) .
و صفة الجمود تسري على جميع القواعد الواردة في صلب الوثيقة الدستورية ، و مع ذلك يبقى صحيحا القول بأن الدستور المكتوب من حيث المبدأ دستور جامد إلا أن إجراءات تعديل النصوص الدستورية الجامدة تختلف من دستور لأخر و ذلك حسب درجة الجمود.
و تتمثل إيجابية جمود الدساتير في تحقيق نوع من الثبات و الاستقرار ، ضف إلى ذلك القدسية و احتراما أعمق في نفوس الأفراد أما من النواحي السلبية فإن جموده لا يجعله مسايرا للتطور و يؤدي بذلك إلى محاولة تغيره بطرق غير مشروعة .
________________
1- الامين شريط ، مرجع سابق ، ص 114 .
2- إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 62 .

الفرع الثاني : حظر التعديل
كما يحضر تعديل الدستور بطريقتين :
1- من الناحية الموضوعية:
قد تتجه بعض الدساتير إلى حضر تعديل الدستور ، حضرا مطلقا و قد تحضر بعض نصوصه فقط ،و الغاية من هذا المنع حماية الدستور أو بعض أحكامه ، و يعتبر حظر التعديل الكلي مسألة نادرة في الدساتير الحديثة ، و لكن حظر تعديله جزئيا مسألة مألوفة فكثيرا ما تذهب الدساتير إلى حظر بعض النصوص الجوهرية في الدستور كتلك النصوص المتعلقة بنظام الحكم و هذا ما يتماشى مع طبيعة النظام السياسي القائم (1) .
فعلى سبيل المثال في الدستور الجزائري لسنة 1996 نص في مادته 178 على أنه :
« لا يمكن لأي تعديل دستوري أن يمس :
1- بالطابع الجمهوري للدولة.
2- بالنظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية.
3- الإسلام باعتباره دين الدولة .
4- بالعربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية.
5- بالحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن.
6- سلامة التراب الوطني و وحدته»(2).
____________
1- إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 64 .
2- حسني بوديار ، مرجع سابق ، ص 88 ،89 .
2- من الناحية الزمنية :
و قد ينص الدستور على حظر تعديله خلال فترة زمنية معينة ، حتى يكفل للدستور الثبات اللازم و التجربة الكافية و على سبيل المثال الدستور الأمريكي القاضي بعدم تعديله قبل 1808 و دستور الجمهورية الرابعة الفرنسي الصادر في 1946 الذي حضر تعديله طالما أن قوات أجنبية تحتل إقليم الجمهورية ،أو جزء منه (1) .
و من الطبيعي أن دستور من هذا النوع هو دستور جامد طيلة فترة الحظر المنصوص عليها ، إلا أن اللجوء إلى هذا الأسلوب صار نادرا في تجارب الدول المعاصرة .
لكن فكرة الحظر بنوعيها الموضوعي و الزمني تلقى معارضة عند بعض الفقهاء ، و لما كان الدستور هو عمل تأسيسي يستند إلى السيادة الشعبية ، أفلا يصح القول بأن الحظر يصادر مقدما حق الشعب في التغيير ؟ .
و في الحظر الزمني بالذات هل يجوز لجيل ما ، تمكن تاريخيا من وضع الدستور ، أن يصادر حق غيره من الأجيال القادمة في إعادة النظر في هذا الدستور ، الذي أملته ظروف معينة وفق درجة من درجات التطور الحضاري الثقافي ؟.
و من البداهة أن القوانين و المبادئ العامة لا بد لها من أن تسير جنبا إلى جنب مع تقدم العقل البشري و تطوره (2).
____________
1- سعيد بوشعير، مرجع سابق ، ص 189 .
2 _ إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 65 .

المطلب الثاني : الدستور المرن

إذا كانت طريقة تعديل الدستور بنفس طريقة تعديل القانون العادي وصف بأنه دستور مرن و هذا ما سنبينه الآن .
الفرع الأول : تعريف الدستور المرن
« يعرف الدستور المرن بأنه ذلك الدستور الذي يمكن تعديله و تنقيحه دون إتباع إجراءات خاصة مختلفة عن تلك التي تتبع في حالة تعديل القوانين العادية و بعبارة أخرى ، الدستور المرن هو ذلك الدستور الذي يمكن للبرلمان تعديله بنفس الإجراءات التي يعدل بها التشريعات العادية التي يصدرها» (1) .
ففي بريطانيا مثلا و هي من أشهر الدول ذات الدساتير المرنة ، يتم وضع و تعديل النصوص الدستورية بذات الطرق المعتمدة لوضع و تعديل القوانين العادية ، فالقانون الذي ينظم مواعيد فتح المحلات العامة و القانون الذي ينظم وراثة العرش ، يتم وضعها بذات الطريقة ، بل أنها تحظى بذات القوة القانونية ، و لا توجد في بريطانيا طريقة معترف بها لتمييز التشريع الدستوري عن التشريعات الأخرى لأن لا وجود عمليا لوثيقة دستورية تجمع ما صار يطلق عليه في دول أخرى بأنه دستور .
و تجدر الإشارة هنا بأن الدساتير العرفية يغلب عليها طابع المرونة ، لكونها تتغير و تتبدل بقواعد عرفية جديدة ، تلغي القواعد القديمة دون إتباع إجراءات معينة أو شروط خاصة ، و التلازم ليس حتميا بين الطابع العرفي للدستور و مرونته بمعنى أنه يمكن وجود دستور مكتوب مرن أي يمكن تعديله بالطريقة المستخدمة في التشريعات العادية مثل الدستور الايطالي لسنة 1848 (2).
____________
1- حسين عثمان محمد عثمان ،القانون الدستوري ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2005 ، ص 82 .
2- المرجع نفسه ، ص 83 .
الفرع الثاني : مزايا و عيوب الدستور المرن
إن الفقه الدستوري يذهب إلى أن ميزة الدستور المرن ، إنما تقوم على قدرته على التكيف و التطور مع تطور الحياة لأن تعديله يتم بطريقة ميسورة تجعله مطابقا لمقتضيات العصر ، و متماشيا مع تطور الزمن دون تعريض البلد لمشاكل أو خلق أزمات .
و من الجدير بالذكر في هذا المجال ، أن الدستور المرن ، يفتقر لأهم مزايا الدستور و هي سموه على كافة التشريعات ، و من هنا يتجلى العيب الأساسي للدستور المرن حيث لا يمكنه أن يشكل ضمانة حقيقية للمواطنين في مواجهة السلطة العامة ، فالحكومة تستطيع أن تتلاعب في المجلس النيابي بنصوص الدستور ، فالدستور المرن يجعل السلطات الحاكمة مطلقة بدون قيود و كما قيل إذا كانت السلطة مفسدة ، فإن السلطة المطلقة أكثر فسادا(1).
____________
1- إبراهيم أبو خزام ، مرجع سابق ، ص 75 .

خـــــاتمــــة

إن قيمة الدساتير تكمن في أنها الضامن الحقيقي للحقوق و الحريات ، و الكابح الرئيسي لطغيان سلطان الدولة و المنظم لمسألة تداول السلطة بصورة سليمة ، إذ لولا وجود الدساتير لتعرضت الحريات العامة للخطر، و لتحولت السلطات العامة إلى أدوات طغيان بلا حدود ، غير أنه كثيرا ما يلاحظ أن قواعد الدستور لا تنجح في أداء مهمتها ، فقد ولدت الكثير من الأنظمة الدكتاتورية في ظل وجود دساتير مكتوبة ، و قد تزدهر الحريات و الحقوق في ظل التقاليد و الأعراف الراسخة دون حاجة لوجود دستور مكتوب ، و الأخذ بأنواع الدساتير تحدده الظروف السياسية و الاجتماعية لكل دولة و بذلك يمكن القول بأن هذا التقسيم يبقى نسبي غير مطلق ، و لما كانت الحقائق التاريخية و شواهد التجارب السياسية قد بينت على أن الدساتير يمكن أن يصيبها الخلل و إذا كانت الدساتير تنطوي على كل هذه العيوب و كان يمكن إسقاطها و تعديلها و تنقيحها و تجاهل تطبيق نصوصها و تأويلها ، فما هي الطريقة المثلى لصون الدستور باعتباره القانون الأسمى للدولة ؟

قائمــــة المراجــــع

1- الامين شريط ، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ط 6، 2008 .
2- إبراهيم أبو خزام،الوسيط في القانون الدستوري:الدساتير و الدولة و نظم الحكم،دار الكتاب الجديد المتحدة ،ط 3 ، 2010 .
3- حسين عثمان محمد عثمان ،القانون الدستوري ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2005.
4- حسني بوديار ، الوجيز في القانون الدستوري ، دار العلوم للنشر و التوزيع ، الجزائر ، 2003 .
5- سعيد بوشعير،القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة،الجزء الأول النظرية العامة للدولة و الدستور، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، ط 10 ،2009.

author-img
ala ridha

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent