recent
أخبار ساخنة

بحث كامل حول الاثراء بلا سبب أحكامه و تطبيقاته في القانون المدني الجزائري

بحث كامل حول  الاثراء بلا سبب أحكامه و تطبيقاته في القانون المدني الجزائري

خطة البحث

 مقدمـــة
الفصل الأول/ القاعدة العامة للإثراء بلا سبب.
المبحث الأول/ أركان الإثراء بلا سبب.
المطلب 1: إثراء المدين حسن النية.
الفرع الأول: المقصود بالإثراء.
الفرع الثاني: وجوب تحقق الإثراء.
الفرع الثالث: صور الإثراء.
المطلب 2: افتقار الدائن بسبب الإثراء.
الفرع الأول : المقصود بالافتقار.
الفرع الثاني: وجوب تحقق الافتقار.
الفرع الثالث: صور الافتقار.
الفرع الرابع: علاقة السببية بين الإثراء والافتقار.
المطلب 3: انعدام السبب القانوني للإثراء.
• المبحث الثاني : أحكام الإثراء بلا سبب.
المطلب 1: نشوء الحق في دعوى الإثراء.
الفرع الأول: أحكام دعوى الإثراء.
الفرع الثاني: الإثبات في دعوى الإثراء.
الفرع الثالث: تقادم دعوى الإثراء.
المطلب 2: الالتزام بالتعويض.
الفرع الأول: حدود الإلزام بالتعويض.
الفرع الثاني: كيفية تقدير الافتقار والإثراء.
الفرع الثالث: جواز رجوع المفتقر على الغير.

الفصل الثاني: تطبيقات الإثراء بلا سبب.
• المبحث الأول: الدفع غير المستحق.
المطلب 1: شروط الدفع غير المستحق.
الفرع الأول: أن يكون هناك وفاء.
الفرع الثاني: أن يتم الوفاء بدين غير مستحق.
الفرع الثالث: أن يعتقد الموفي بوجوب قيامه بهذا الوفاء.
المطلب 2: أحكام الدفع غير المستحق.
الفرع الأول: دعوى استرداد غير المستحق.
الفرع الثاني: سقوط دعوى استرداد غير المستحق.
• المبحث الثاني: الفضالة.
المطلب 1: أركان الفضالة.
الفرع الأول: الركن المادي.
الفرع الثاني: الركن المعنوي.
الفرع الثالث: الركن القانوني.
المطلب 2: أحكام الفضالة.
الفرع الأول: التزامات الفضولي اتجاه رب العمل.
الفرع الثاني: التزامات رب العمل اتجاه الفضولي.
الفرع الثالث: أحكام مشتركة بين التزامات الفضولي
والتزامات رب العمل.



المـقدمــة

إن من بين مصادر الالتزام غير الإدارية التي نصت عليها مختلف التشريعات الحديثة، الإثراء بلا سبب أو ما يعرف بالكسب غير المشروع أو الفعل النافع، فكما أن الفعل الضار يستوجب التعويض إذا أّلحــق ضرر بالغير، كذلك الإثراء بلا سبب إلى جانب التطبيقين الهامين له، وهما الفضالـــة والدفــع غير المستحق(1) .
ويقصد بالإثراء بلا سبب، أن كل من نال أو أثري من عمل الغير أو من شيء له منفعة، ولو بحسن نية ودون سبب قانوني فإنه يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثري به، وفي حدود ما لحقه من خسـارة.
وإن فكرة الإثراء بل سبب فكرة قديمة، ذات صلة بقواعد العدالــة والقانون الطبيعـي، إذ وجدت منذ العهـد الروماني، وكانت تكتسي طابعا أخلاقيا، غير أنها لم تصبح قاعدة مستقلة كمصدر من مصادر الالتزام، إلا بعد عدة تطبيقات غير متصلة الأجزاء.
أما في القانون الفرنسي القديم، فلم يكن لقاعدة الإثراء بلا سبب تطبيقا شامـلا بل اقتصر تطبيقهـا على بعض دعاوى استرداد غير المستحق، والفضالة من خلال المادتين (1371،1381) وفي القانون الفرنسي الـحديث فقـد وردت هـذه القـاعدة تـحت عنوان الأفعـال التـي تقــع بمحض إرادة الإنســان أو مـا يسمـى بأشباه العقود، (les faits purement volontaires de l'homme) وقد لعب فـي ذلك الفقيهين"أوبري" و" رو" (Aubry et Raw) دورا بارزا في بلــورة القاعدة، رغم بقائهـا مقيدة بقيـدي الدعوى الاحتياطية واشترط بقاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى.
أما الفقه الإسلامي، فإن كان أوسع ما يعترف به هو الدفع غير المستحق فإنـه كقاعدة عامة لا يقـرن بالإثراء بلا سبب إلا في حالات معينة، أما الفضالة فلا يعترف بها أصلا، على أساس أن عمل الفضولي لا يعد مصدرا للالتزام بل يعتبر من قبيل التبرع.
هذا ولقد اختلف الفقهاء في تأصيل قاعدة الإثراء بلا سبب، حيث تـم ربطها في البداية بنظرية الفضالـة.(le gestion d'affaires irrégulière) فاعتبرت أنها فضالة ناقصة فالفضولي يجب عليه أن يقصد تدبير شؤون رب العمل، فإذا انـعدم هذا القصد أو أنه تولى شؤون غيره رغم إرادته، اختل ركن من أركان الفضالة، ويترتب علــى ذلك أن المفتقر لا يسترد كالفضولي كل المصروفات النافعة والضروريـة، بل يسترد قيمتي الإثراء للغير وافتقـاره، غير أن هــذه المحاولة لم تنجح، لأن الأصل أن تكون الفضالة تطبيقا للإثراء بلا سبب وليس العكس.
كما حاول جانب من الفقه، رد قاعدة الإثراء بلا سبب إلـى العمل غير المشروع فاعتبر أن من أثري على حساب غيره، لا يجوز له أن يحتفظ بما أثري به، وإلا عّد مرتكبا لخطأ يجعله يسأل علــى أساس المسؤولية التقصيرية.

(1)- أورد المشرع الجزائري،الإثراء بلا سبب، والدفع غير المستحق، والفضالة تحت عنوان شبه العقود، فأخلط بذلك بين المبدأ وتطبيقه والظاهر من النصوص تقول ذهبية حامق أنه يعتبر كل منهم كمصادر مستقلة من مصادر الالتزام.
-01-

وقد ذهب فريق ثالث بزعامة الأستاذين "روبير" و "تسيير" إلـى إسناد قاعدة الإثراء بـلا سبب إلـى نظرية تحمل التبعة، التي مؤداها أن من كان نشاطه مصدرا لغرم تحمل تبعته، وأن الغنم المستحدث ما هو إلا الوجه الآخر للغرم المستحدث، بيد أن هذا الاتجاه لا يستقيم، ذلك أن الرجوع على الغير في هذه الحالة يكون بما أثري به، وليس بأقل القيمتين فيؤدي ذلك إلى عدم ضرورة شرط الافتقار بالنسبة للدائن.
ومهما يكن من خلاف فإن قاعدة الإثراء بلا سبب، قاعدة قائمة بذاتها وهـي مصدر مستقل من مصـادر الالتزام، تستند إلى قواعد العدالـة ويتفرع عنها الدفع غير المستحق والفضالة، وهو مـا ذهبت إليه جل التشريعـات الحديثة.
والمشرع الجزائري تأثر بما وصل إليه الفقه الحديث بشأن مصادر الالتزام، حيث أورد المصـادر الإرادية والمتمثلة في العقد، والالتزام بالإرادة المنفردة (1) ، وكذا المصادر غير الإرادية والتي تتمثل في الفعل المستحق للتعويض، والقانون كمصدر مباشر للإلتزام، وشبه العقود، غير أنه لم يوضح هذا التقسيم في تبويبه لها، فقد أورد في الفصل الرابع من القانون المدني شبه العقود ضمن ثلاثة أقسـام وهي الإثــراء بلا سبب ( م 141- 142 ق م) والدفع غير المستحق من ( م 143-
149ق م) والفضالة ( م 156 – 159 ق م) ، وذلك دون أن يفصل بين القاعدة في الإثراء بلا سبب وتطبيقها.
ولقد سلطنا الضوء لمعالجة هذا الموضوع لعدة أسباب موضوعية وذاتية نظرا لأهمية موضوع الإثراء بلا سبب، وتطبيقاته في القانون المدني الجزائري على ضوء الممارسة القضائيـة، والذي لــم يحظ بالدراسة الكافية وبالتطبيق اللازم أو السليم له، إذ طغت عليه الدعاوى الناشئة عـن مصـادر الالـتزام الأخرى وهو ما لاحظناه من خلال تربصاتنا الميدانية لدى الجهات القضائية، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنه في ظل التطورات الحاصلة على الصعيد التشريعي و الاقتصادي بات إعطاء قاعدة الإثراء بلا سبب مكانتها أمر جد ضروري، إذ يلاحظ أنه لا تكاد تخلوا أغلب المنازعات المطروحة علـى القضاء من هذه القاعدة وتطبيقاتها، إلى جانب ذلك فإن النصوص المتعلقة بها تحتاج إلى تبيـان.
وبناءا عليه فإن دراسة هذا الموضوع تطرح أكثر من تساؤل سيما في إطـار مـا ذهب إليـه المشرع الجزائري عندما أخلط بين القاعدة وتطبيقها وأورد الكل تحت عنوان " شبـه العقود " الذي في حد ذاته لا يعد سليما، ورغم أنه استدرك الأمر بالنسبة للالتزام بالإرادة المنفردة، فأضافه في التعديل الجديد إلا انه لم يفعل ذلك بشأن الإثراء بلا سبب، إذ من المفروض أن مصادر الالتزام تتمثل في الواقعة القانونية والتي تنقسم إلى تصرف قانوني والى واقعة ماديـة(2)

والإشكالية التي تنبني عليها دراستنا هي ما مضمون القاعدة العامة للإثراء بلا سبب ؟ وما هي أحكامهـا وتطبيقاتها في ظل القانون المدني الجزائـري ؟
وفي إطار إجابتنا على الإشكالية المطروحـة ولمعالجة الموضوع سنعتمد في بحثنا على أسلوب استقراء النصوص القانونية، مع التحليل المدعم بالأمثلـة، وكـذا المقارنة من حين لآخر مع التشريعين الفرنسي والمصري لتقاربهما مع التشريع الجزائري، ولإمكانيـة الاستفادة من تطبيقاتهـا الـقضائية التي لا تتعارض مع نصوصنـا وموقف المحكمة العليا.
ولإعطاء أكثر تفاصيل حول الموضوع سنتناول دراستنا هذه في فصلين، نخصص الأول لدراسة القاعدة العامة في الإثراء بلا سبب والثاني لدراسة تطبيقاتها، ويتضمن الفصل الأول مبحثين نـعالج فـي الأول أركان الإثراء بلا سبب وفي الثاني أحكامه المتمثلة في الدعوى والتعويض، أما الفصل الثاني نقسمه أيضا إلى مبحثين نتناول في الأول الدفع غير المستحق، شروطه، وأحكامه وفي الثانـي نتكلم عن الفضالــة أركانها، وأحكامها، ونختم دراستنا بإبداء بعض الملاحظات.


(1)- أضاف المشرع بموجب القانون05-10 المؤرخ في 20/06/2005.الالتزام بالإرادة المنفردة تنطبق عليه أحكام العقد.واستبدل كلمة "عمل" بكلمة "فعل" بالنسبة للعمل المستحق للتعويض ولم يتغير في شبه العقود شيئا.
(2)- الأستاذ ملزي عبد الرحمان.الإثبات في المواد المدنية.محاضرات أّلقيت على الطلبة القضاة الدفعة 14-2004.

الفصل الأول القاعـدة العامـة في الإثـراء بلا سبـب.

(l'enrichissement sans cause)
إن فكرة الإثراء بلا سبب إن كانت عرفت منذ القديم فهي لم تتأصل كقاعدة مستقلة، أو كمصـدر من مصادر الالتزام، إلا بعد عدة تطبيقات غير متصلة الأجزاء عبر عدة مراحل تاريخيـة(1) .
ولقد توصل الفكر القانونـي الحديث، إلى اعتبار قاعدة الإثــراء بلا سبب قائمــة بذاتهـا، لا تحـتاج إلى غيرها، ولا تتفرع عنه. وهي بذلك مصدر من مصادر الالتزام، تستند إلى قواعــــد العدالـة، شأنها في ذلك شأن العقد، والعمـل غير المشروع، ويقتضـي ذلك أن كل مـن أثرى علـى حساب الغير ولـو بحسن نية ودون سبب قانونـي، فإنه يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر مـا أثرى بـه وفي حدود ما لحقه من خسارة.(2)
وفي هذا الاتجاه سار المشرع الجزائري، حيث أخذ بالإثراء بلا سبب كمصدر عـام، ومستقل عـن مصادر الالتزام. ولقد أورده في الفصل الـرابع من القانون المدني المتعلق بمصادر الالتزام، تحت عنوان "شبـه العقود"(3) (des quasi contrats). قــدوة بالتقسيــم التاريخي التقليــدي لمصادر الالتزام التي هي: العقد، شبه العقد، الجنحـة، شبه الجنحة، والقانون، وإلـى جانبه أورد تطبيقاتــه- وتحت نفس الفصل- والمتمثلـة في الدفـع غيـر المستحق والفضالة، وعنه أوردت المادتين 141 -142 من القانون المدني المبدأ العام وأحكامـه، كما أن المحكمة العليا طبقت قاعدة الإثـراء بـلا سبب كقاعدة أصليـة تقـوم على قواعد الـعدالــة. (Règles d'équité)
واعتبـرت أنـه إذا أثـرى شخص نتيجـة افتقار آخر بغيـر وجود مبرر قانونـي فإن الأول يلتزم بـأن يدفــع تعويضـا يسـاوي أقـل القيمتـين قيمـة الإثــراء، وقيمـة الافتقــار(une idemnitè praportionnelle) (4) .
______________________________________
(1)- انظر د/عبد الرزاق احمد السنهوري، نظرية الالتزام بوجه عام-مصادر الالتزام- ص 1248.
، بجدول من الماء يجري تحت الأرض فينبت من القواعد القانونية ما قاعدة الإثراء بلا سبب(Ripert) (2)- شبه الأستاذ روبير
يشهد بوجوده، ولكن الجدول لا يظهر فوق الأرض أبدا.
(3)- إن مصطلح شبه العقد غير سليم، ذلك أن العقد يتطلب توافق إرادتين على إنشاء التزام وهذا غير موجود في الإثراء بلا سبب أو الفضالة أو الدفع غير المستحق.
(4)- قرار المجلس الأعلى.غ.م.18/07/1969 .ن.ق 1972. 1.ص 45.
-06-
ويلاحظ في هذا الشأن أن عبارة " ليس لها ما يبررهـا" عبارة فضفاضـة تتسـع لعدة معانـي.(1)إذ نصت المادة 141 ق.م على أنه "كل من نال عن حسن نية من عمل الغير، أو مـن شيء له منفعة ليس لها ما يبررها، يلزم من وقع الإثراء على حسابه بقدر مـا استفاد من العمـل أو الشـيء." ولـم تذكـر الاصطلاح القانوني الذي ورد في النص الفرنسي الذي جاء بعبارة "بدون سبب" وهـي العبارة الأقرب إلى الصواب. كما أن النص ألزم المثري برد قيمة ما استفاد من العمل أو الشيء مخالفـا المبدأ الذي سـارت عليــه المحكمة العليا، وهو التزام من وقع الإثراء في جانبه برد أقل القيمتين، قيمة الإثراء و قيمة الافتقار استنادا إلى قواعد العدالة والإنصاف(2).
ولتفصيل أكثر في الموضوع سنتناول في هذا الفصل مبحثين نخصص الأول لدراسة أركـان الإثراء بلا سبب التي يقوم عليها، ونخصص الثاني لدراسة أحكامه المتمثلة في الدعوى والتعويض.


المبحث الأول أركـان الإثـراء بلا سبـب.

أوجب المشرع الجزائري في نص المادة 141 ق.م. لكي يتحقق الإثراء بلا سبب، وينشأ عنه الحق في الدعوى لصالح المفتقر الذي وقع الإثراء على حسـابه، للمطالبة بالتعويض، أن يحصل إثـراء أي أن تحصل زيادة في الذمة المالية لشخص معين، مقابل افتقـار أو انتقاص في الذمـة الماليـة لشخص آخـر وقـع الإثراء على حسابه، إلى جانب أن ينعدم السبب القانونـي لهذا الإثراء،والذي يجعله مبررا كالعقد، أو حكم من أحكام القـانــون فيصبح بذلك الشخص الأول مدينـا (مدعى عليه) والثاني دائنـا (مدعـي).
وبناءا عليه فإن الإثراء بلا سبب يقوم على ثلاثة أركـان هي:
1- إثـراء المديـن حسـن النيـة (المدعى عليه).
2- افتقار الدائن بناءا على هذا الإثـراء (المدعي).
3- انعـدام السبـب القـانـوني لـلإثـــراء.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري سكت عن اعتبـار بقاء الإثراء قائما إلـى وقت رفـع الدعوى، كركن رابع للإثراء، مخالفا بذلك ما ذهب إليه المشرعين الفرنسي والمصري، كمـا أنه اعتبر دعوى الإثراء دعوى أصلية وليست دعوى احتياطية (1).على غرار المشرع المصري في المادة 179 من القانون المدني التي نصت على أنه "كل شخص ولو غير مميز يثرى دون سبب مشروع على حساب شخص آخر، ملتزم في حدود ما أثري بـه بتعويض هـذا الشخص عما لحقه من خسـارة ويبقى هذا الالتزام قائما ولو زال الإثراء فيما بعد."
وسنتطرق للأركان الثلاثة السابقة الذكر-على التوالي- في ثلاث مطالب.




(1)- يرى الدكتور علي علي سليمان ضرورة إعادة صياغة نص المادة 141 لتصبح كما يلي "كل من أثرى على حساب غيره دون سبب يلزم بتعويض من أثرى على حسابه بأقل القيمتين، قيمة ما أثرى به أو قيمة ما افتقر به المفتقر".
(2)- وهو الثابت من موقف المجلس الأعلى (المحكمة العليا) في قرار بتاريخ 16/12/1970.م.ق 1971 ص 9.




-07-

المطلب الأول إثراء المدين حسن النية.

(ENRICHISSEMET DU DEFENDEUR)
والمدين هو الشخص الذي يستفيد من واقعة الإثراء، فتنتقل إليه قيمة ماليـة تضاف إلى ذمته المالية مـن ذمة شخص آخر، ودون أن يكون لهذا الانتقال سبب قانوني أو مصدر يستند إليه.

الفرع الأول المقصود بالإثراء.

يقصد بالإثراء كل منفعة مادية أو معنوية، يجنيهـا المدين متى أمكن تقويمها بمـال، حيث تضيف زيـادة في ذمته المالية كاكتساب جديد لمنقولات أو عقـارات، أو الانتفاع بها لوقت معين أو انقضـاء أو زيادة في ضمان، أو تجنب خسارة محققة(2)...الخ، والزيادة أو الإثـراء كواقعة مادية هي التي يترتب عليها نشـوء الالتزام بالرد، لأنه لو بقيت الذمة المالية كما هي أو نقصت، فلا يكون ثمة إثراء ولا محل معه للرد.
وفي هذا الشـأن اعتبرت محكمـة النقض الفرنسية أن تجنيب المثرى خسـارة، أو التوفير عليـه فـي مصروف يعد اثراءا بلا سبب يستوجب الرد.( م.ن.ف في 15/01/1866 ).

الفرع الثاني وجوب تحقق الإثراء.

إن أول ركن لتحقق قاعدة الإثراء بلا سبب، هو ضرورة حصول غنم أو إثراء لفائدة المدين حسن النية، لأن مصدر الالتزام الذي يترتب في ذمته هو حصول واقعة الإثراء وتحققها إذ لا التزام بدونهـا، فالشخص الذي يقوم بالوفاء بدين شخص آخر، ثم تبين فيما بعد أن هذا الدين قد سبق



(1)- استقر القضاء والفقه في فرنسا على أن دعوى الإثراء دعوى احتياطية متأثرين بأفكار الفقيهين "أوبري و ورو" والسبب هو حتى لا تستغرق دعوى الإثراء كل الدعاوى الأخرى التي تنشأ عن مصادر الالتزام –انظر د/بلحاج العربي- النظرية العامة للالتزام في القانـون المدنـي الجزائري -الجزء2- ص461.
(2)- حكم محكمة باتنة الصادر بتاريخ.30/12/96 قضية رقم 2267/1996-أنظر الملحق.

-08 -

الوفاء به أو أنـه لا وجود له أصلا لا يعد مفتقرا، لأنه لم يحصل إثراء للموفى عنه ولا يمكنـه الرجوع علـى هذا الأخيـر بدعوى الإثراء بلا سبب(1) بل يكون له في هذه الحالة الرجوع علـى من دفع عنه بدعوى استـرداد غير المستحق إذا ما توافرت شروطها.
والإثراء كما أسلفنا يتخذ عدة صور، رغم أن الأصل فيه أن يكون ماديا، فقد يكون ايجابيا أو سلبيا ماديا أو معنويا كما قد يكون مباشرا أو غير مباشر.

الفرع الثالث صور الإثراء.


أ/ الإثراء الايجابي والإثراء السلبي.
يكون الإثراء ايجابيا إذا أضيفت إلى ذمة المدين قيمة مالية أو منفعة. كما لو بنى الدائـن في أرض غيره(2) فتسبب في إثراءه، أو أنه اكتسب حقا عينيا أو شخصيـا، أو منفعـة مـال. فالمستأجر الذي يقوم بتحسينات في العين المؤجرة بعد انفساخ عقد إيجاره يجعل المؤجـر يثـرى بصورة ايجابية(3) ، وكذلك إذا قام الراسي عليه المزاد بتحسينات في العين التي رسـى عليها المزاد ثـم نزعت منه، فإن ذلك يؤدي إلى إثراء من تؤول إليـه العين.
ويكون الإثراء سلبيا متى أمكن تجنيب المدين إخـراج قيمة مالية من ذمته، أو تجنيبه خسارة كانت ستلحق به كمن يوفي الدين عن شخص، أو كقيام المستـأجر بترميمات جسيمة واجبة على المؤجر، أو كالمشتري لعقار مرهون يقوم بدفع دين الـراهن.
ب/ الإثراء المباشر والإثراء غير المباشر:
يكون الإثراء مباشرا، إذا انتقل المال من المفتقر إلـى المثـرى مباشرة دون تدخـل شخص أجنبي ومثل ذلك الشخص الذي ينتفع بنقود مملوكـة لغيره دون عقد قرض. ويكون الانتقال إمـا بفعل الدائن المفتقر أو بفعل المدين المثرى نفسـه، كما في حالـة من يدفع عـن غيره الدين، أو يستولي على ماله دون وجه حق، أو يستهلك الميـاه، أو الـهاتف من قنوات وأسـلاك خفيـة(4).

___________________________________________
(1)- كان الفقه في فرنسا يشترط في البداية أن يتحقق الإثراء عن طريق إضافة حق إلى مال المدين ثم تطور على يد "بلانيول" و"روبير" ليجيز أن يكون الإثراء ناتجا عن منفعة أو عمل.
(2)- انظر قرار المحكمة.ع.المؤرخ في 27/10/1987 ملف رقم 888. 50م.ق.1993.عدد2 ص9.
(3)- د/أنور طلبة.الوسيط في شرح القانون المدني-الجزء 2- ص 254.
(4)- انظر[ معوض عبد التواب-مدونة القانون المدني- الجزء الأول – ص 387.386 ].


- 09-
أما الإثراء غير المباشر فهو الإثراء الذي يتدخل فيه أجنبي لنقله من مال المفتقر إلـى مـال المثرى(1) ويحصل هذا التدخل عن طريق عمل مادي أو عمل قانوني، فربان السفينة الذي يعمد إلى إلقـاء بعضا مما تحمله لإنقاذ الباقـي من الغرق يعد متدخـلا عن طريق عمل مـادي، وكذلك المستـأجر لأرض زراعيـة الذي يقوم بشراء سماد من تاجر دون أن يدفع ثمنه، وحصل أن حجـز المالك على زراعـة المستأجـر ورجع التاجر وهو المفتقر في هذه الحالة على مالك الأرض الذي يعد مدينا مثرى، بالقـدر الذي عاد به السمـاد على الأرض من نفع، وفي حدود ثمن البيع، فإنه يعد أجنبيا تدخل عن طريق عمل قانوني وهو شراء السماد.
وفي هـذا الشأن توجد عدة تطبيقـات في القضـاء المصري وهي صالحة للتطبيق عندنا أيضـا(2).
ج/ الإثراء المادي والإثراء المعنوي:
الأصل في الإثراء- كما سبقت الإشارة – أن يكون ماديا كما بيناه فـي الأمثلـة المذكـورة أعــلاه.
ويكون الإثراء معنويا أو أدبيا، إذا كان يعود على المدين بمنفعة عقلية، أو أدبية، أو صحية، أو نفسية.
ولقد لقي الإثراء المعنوي معارضة من جانب الفقه سيما في فرنسا، وعانى من الاعتراف به ماعاناه الضرر الأدبي أو المعنوي في نظرية المسؤولية التقصيريـة(3) غير أن الضرر الأدبـي قد أصبـح الآن معترفا به إلى حد أكبر من الاعتراف بالإثراء المعنوي.(4)
والحقيقة أنه أصبح لا فرق بين الإثراء المادي والإثراء المعنوي مـا دام يمكن تقويم الإثراء المـعنوي بالمال، فالطبيب يثري صحيا المريض بالشفـاء، والمعلم يثري الـتلميذ عندمـا يعلمـه إثراءا عقليـا والمحامي يثري المتهم بالدفاع عنه فيحكم ببراءتـه فيعد ذلك اثراءا أدبيا له، وهذه الضروب من الإثراء المعنـوي كلها يمكن اعتبارها ذات قيمة ماديـة.
والـجدير بالذكر أن المشـرع الجزائري اشترط فـي المـادة 141 ق.م أن يكـون المدين الـذي استفـاد من الإثراء، حسن النية، إذ أنه لو كان سـيء النيـة اعتبر مخطئا قام بعمـل غيـر مشـروع يستوجب تطبيــق أحكام المسؤولية التقصيرية عليه، وهو ما أكدته المحكمة العليا في القرار الصـادر في21/10/1987 جاء فيه "من المقرر قانونا أن كل من نـال عـن حسن نيـة من عمـل الغير أو من شيء له منفعة ليس لها ما يبررهـا يلزم بتعويض من وقع
______________________________________
(1)- [ يرى "دي باج" أن الإثراء في هذه الحالة يرتبط بانعدام السبب أكثر من ارتباطه بتوافر الإثراء ].
(2)- د/ السنهوري- المرجع السابق – ص 1284.
(3)- د/توفيق حسن فرج- الإثراء بلا سبب- الكسب غير المشروع كمصدر للالتزام ص 178.
(4)- نص المشرع الجزائري صراحة في القانون 05/10 المعدل للقانون المدني.عن التعويض عن الضرر المعنوي في المادة 182 مكرر.
الإثراء على حسابه بقدر مـا استفاد من العمل أو الشيء، ومن المقرر أيضا أنــه إذا أقام أجنبي منشآت بمواد من عنده بعد الترخيص له من مالك الأرض فلا يجوز لهـذا الأخيـــر أن يطلب إزالة المنشآت إذا لم يوجد اتفاق بشأنها وإنما يخير بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمـــل، أو مبلغا يساوي ما زاد من قيمة الأرض....ولما كان من الثابت في قضية الحـال أن جهـة الاستئنـاف أيدت الحكم المستأنف أمامها، القاضي على الطاعن بالتخلي عن قطعة الأرض التي يحتلهـا بالرغـم من عرضه لثلاثة حلول وفقا للمادتين 141 و786 ق.م التي لـم تناقشها، فإنهـا بقضائها كما فعلت خـالفت القانـون وشابت قرارها بالقصور في التعليل..."(1).

المطلب الثاني افتقـار الدائن سبب الإثراء.

(APPAURISSEMENT CORRELATIF)
الافتقار هو الركن الثاني للإثـراء بلا سبب، والذي يترتب عليه إثراء المدين لعلاقة سببية مباشـرة تربطهما.وهو يلحق الدائن في ذمته المالية فيفقرها.

الفرع الأول المقصود بالافتقار.


يراد بالافتقار الخسارة التي تلحق الدائن أو المنفعة التي تفوته بسبب النقص في مجموع محتويـات الذمة المالية له، أيا كان سبب هذا النقص سواء كـان بفعل المفتقر، أو بفعل المثرى، أو الغير، أو فعـل الطبيعة.والخسارة قد تكون مالا ينفقه الدائن، كما لو أنشأ بناءا على أرض يملكها المدين كمـا قد تكون منفعة تفوتـه، ومثل ذلك أن يؤدي عملا يستفيد منـه المدين، كالمهندس يـقدم تصميما، أو طبيبا يـقدم علاجـا، أو رساما يقدم لوحة فنية.فهؤلاء يفتقرون بما فاتهم من كسب وهو أجر عملهم(2) غير أنـه إذا حدث الافتقـار بفعل الشخص وبإرادته وكان ذلك لباعث فيه، ودون سبب فإنـه لا ينشأ له الحـق في دعوى الإثراء بـلا سبب، لأن عمله أو تصرفه في هذه الحالة يعد من قبيل التبرع(3) .


______________________________________
(1)- أ/عمر بن سعيد-الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني-ص110.
(2)- د/ بلحاج العربي –المرجع السابق- ص 455.
(3)- ومن أمثلة ذلك[ قيام جدة باحتجاز أولاد ابنتها المتوفية أثناء دعوى الطلاق المرفوعة عليها من زوجها، ورغم صدور حكم بتسليم الأولاد فإنها ظلت تنفق عليهم ولم تسلمهم.فلا يجوز لها الرجوع على أب الأولاد بدعوى الإثراء طالما أن إنفاقها كان لباعث فيهـا فعملها يعد تبرعا وهو سبب افتقارها]- السنهوري-مرجع سابق- ص 1278.

-11-

الفرع الثاني وجوب تحقق الافتقار.


لكي يمكـن الرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب فإنه يجب أن يقابل إثراء شخص افتقار فـي
جـانب الشخص الآخر، فلا التزام على المثرى بالتعويض إذا لم يتحقق الافتقار فعـلا. وقد اعتبرت محكمة النقض المصرية بأن"شرط افتقار المدعي هو شرط جوهري لدعوى الرجـوع استنادا لقاعدة الإثراء بلا سبب ولما كان الملتزم في دعوى الإثراء يدفع في تعويضـه أدنـى قيمتـي الإثراء والافتقار، فإنه إذا انعدم الافتقار انعدم معه الإثراء إذ أن هناك علاقة سببية تربطهما(1)" ومثال ذلك إذا أقامت شركة مصنعا في جهة معينة وتسبب ذلك في ارتفاع قيمة الأراضي المجــاورة ونتج عنه إثراء أصحابها، فإنه لا يحق للشركة الرجوع على المثرين بدعوى الإثراء بلا سبب طالما أن إثرائهم لـم يقابلـه افتقار في جانب الشركـة. وقد اعتبرت المحكمـة العليـا في القرار الصـادر في 18/07/1969 السابق الذكـر" أنـه يجب للرجـوع بدعوى الإثراء بلا سبب أن يقابـل افتقار شخص إثراء شخص آخر".

الفرع الثالث صور الافتقـار.


يأخذ الافتقار نفس الصور التي يأخذها الإثراء، فقد يكون ايجابيا، أو سلبيا وقد يكون مباشرا أو غير مباشرا، كما قد يكون ماديا أو معنويا.ويلاحظ بشأن حسن النية أو سوءهـا أن المشرع في نص المـادة 141 ق.م لم يشر إلى حسن نيــة المفتقر أو سوء نيته ذلك أن الإثراء واقعة مادية رتب عليها القانون أثرا، ووجب أن يكون المثرى حسن النية ومن ثم فلا أهمية لكون المفتقـر حسن النية أو سيئـها.

الفرع الرابع علاقة السببية بين الإثراء والافتقـار.


لا يكفي لتطبيق قاعدة الإثراء بلا سبب أن يتحقق الإثراء والافتقار بل يجب أن تربطهمـا علاقــة سببية مباشرة، فيكون افتقار الدائن هو الذي أدى مباشرة إلى إثراء المدين، فقيام المستأجر بترميمـات على العين المؤجرة، تكون واجبة على المؤجر، تعد واقعة ينشأ عنها إثراء الـمؤجر بزيادة قيمة العين وافتقار المستأجر بسبب ما أنفقه من مال، فتقوم عندئذ علاقة سببية مباشرة بين الافتقار والإثــراء، والسببية في هذه الحالة هي سببية مباشرة، لأن الافتقار والإثراء يردان إلـى واقعة واحدة وهي القيـام بترميمات غير واجبة كما ذكرنا، وكذلك الشأن بالنسبة لواقعة دفع الدين فهي واقعة واحـدة تِؤدي إلـى نشوء افتقار للدائن وإثراء للمدين، ومع ذلك ليس ضروريا أن تكون واقعة واحدة هي السبب المباشر في الإثراء أو الافتقار(2) بل يكفي أن يثبت أن إثراء المدين لم يكن ليحصل لـولا افتقار الدائـن ويرجـع ذلك لتقدير قاضي الموضـوع.



(1)- د/محمد صبري السعدي-شرح القانون المدني- مصادر الالتزام- الجزء2.ص257.
(2)- د/رمضان أبو السعود- النظرية العامة للالتزام –مصادر الالتزام- ص 450.

-12-
وقـد قررت المحكمـة العليـا في قرارهـا الصادر بتاريخ 16/12/1970 "بأنـه لا يكفـي للرجــوع بدعوى الإثراء بلا سبب أن يتحقق الإثراء فـي ذمـة والافتقار في ذمـة أخرى، بـل يجب أن تكـون هنـاك علاقـة سببية مباشرة بين الإثـراء والافتقار، وعليه فإنـه لا تقوم علاقـة السببية في حالـة التغير الطارئ فـي الظروف الاقتصادية أدت إلى اختلاف التوازن في الالتزامات بين الطرفين".
وقد قرر القضاء الفرنسي عدم وجود علاقة السببية المباشرة في حالـة ما إذا اقرض مصرف نقودا لشركة أقرضت بدورها المبلغ لأحد الأشخاص(2).
كما قضي في مصر بتوافر علاقة السببية بين تحسينات ذات قيمة كبيرة أحدثتها زوجــة في عقار لها ومجاوزة لكل ما تملك، وبين المبالغ التي اختلسها زوجهـا إضرارا بشركـة هو شريك فيهـا وأميـن صندوقهـا(3).
غير أنه إذا كان سهلا التدليل على قيـام السببية بين الإثراء والافتقار إذا كانـا ناجمين عن واقعـة واحـدة، فإنـه يصعب في الحالات التي تتعدد فيهـا الأسباب، ويمكن عندئذ الاستعانـة بنظرية السبب المنتـج فـي المسؤولية التقصيرية، وهو ما أخذت بـه المحكمة العليا فـي القرار الصـادر بتاريـخ 17/11/1964 السالف ذكره، وتطبق هنا القواعد العامة في الإثبات والتقدير يكون لقاضي الموضوع كون الـمسألة مسألة واقع.
كما يمكن الرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب حتى ولو ثبت أن الافتقار راجـع إلـى خطـأ المفتقر(4).

المطلب الثالث انعدام السبب القانوني للإثراء.


يشترط للرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب، أن لا يستند الإثراء إلى أي سبب يجعله مبررا فوجود مثل هذا السبب يجعل للشخص الحق في الاحتفاظ بما تحقق له من إثراء.
ولقد ثـار جدال كبير في الفقـه حـول تحديد معنـى السبب القانوني للإثراء فمنهم من أعطـاه معنى أدبـي ومنهم من أعطاه معنى اقتصادي قانوني(5).
________________________________
(1)- المجلس الأعلى.غ.م.في 16/12/1970.ن.ق.1971. 1. 90.
(2)- نقض مدني فرنسي في 07/02/1905.سيري 1907. 1. 453
(3)- محكمة الاستئناف-الإسكندرية- في 23/04/1908. 20. 192.
(4)- د/رمضان أبو السعود-المرجع السابق- ص450.
(5)- راجع د/نبيل سعد،د/همام محمد محمود.المبادئ الأساسية للقانون.نظرية القانون-نظرية الحق-نظرية الالتزام.ص443


-13-
ويقصد بالسبب المصدر القانوني الذي يولد حقا لمن استفاد من الإثراء للاحتفاظ بما أثرى به وهذا هو الرأي السائد في الفقه والقضاء، وأخذ به المشرع الجزائري فـي نص المادة 141 من ق.م، حيـث جعـل شرط قيام الالتزام الناشـئ عن الإثراء، هو أن يكـون هـذا الأخير بغيـر سبب مشــروع ومن ثم فلا يمكن قانونا للمفتقر مطالبة المثري بأي تعويـض طالمــا لهـذا الأخيـر حـق ثابت بموجب (sans une cause qui justifie le profit)سند قانوني يخوله هذا الكسب ويبرره، كما أنه متى انعدم السبب القانوني للإثراء، جاز للمفتقر الرجوع على المثرى بدعوى الإثراء بلا سبب وأن السبب الذي يجعل الإثراء مبررا يعد مفترضا وجوده، وعلى من يدعي العكس إقامة الدليل أمام القضاء على صحـة ما يدعيـه(1).
والسبب بالمعنى المتقدم قد يكـون مصدره العقد، أو يكون حكمـا من أحكام الـقانون، فإذا كـان سبب الإثراء تصرفا قانونيا فلا مجال لتطبيق قاعدة الإثراء بلا سبب لأن إرادة الطرفين اتجهت إلـى إحداث أثر قانوني معين فما يأخذه أحد الطرفين مثلا بحكـم بنود العقد لا يعد ذلك اثراءا على حساب الـطرف الآخر طالما أن العقد خول هذا الكسب وجعله مشروعا، فإذا تضمن عقد الإيجار شرطا يقضي بتمـلك المؤجر للتحسينات التي يقوم بها المستأجر على العين المؤجرة، عند نهاية عقد الإيجار فانه لا يسـوغ للمستأجر المطالبة بتعويض عن هذه التحسينات على أساس دعـوى الإثراء بـلا سبب لـوجود سبب قانوني وهو عقد الإيجار. وفي هذا الإطار قضت محكمة النقض المصريـة، في نفس اتجاه المحكمـة العليا عندنا بأنه "إذا كان الثابت أن علاقة الطاعن والمطعون عليه الأول يحكمها عقد إيجار مبرم بينهمـا فـلا مجال لتطبيق قواعد الإثراء لوجود رابطة عقديـة، وتكون أحكـام العقد هـي المرجع فـي تحديـد حقــوق وواجبات كـل من الطرفين قبل الآخـر"(2).
إضافة إلى أنـه لا يشترط أن يكـون العقد قائما بين المثرى والمفتقر، بل يكفي أن يكون بين الـمثرى والغير، فلو أن شخص سرقت منه سندات وتعاقد السارق مع شخص آخر حسن النية للحصـول علـى المبالغ الثابتة فيها، فلا يجوز لصاحب هذه السندات أن يرجع بدعوى الإثراء على الشخص الآخر، لأن العقد المبرم بين المثرى والسارق يعتبر سببا للإثراء(3)
كما أنه يمكن أن يكون العقد مبرما بين المفتقر والغير، دون أن يكون المثرى طرفا فيه ومثل ذلك أن يتعاقد شخص مع وكيل، لا باعتباره وكيلا ولكن باسمه الشخصي فلا يجوز لـه الرجوع على الموكـل بدعوى الإثراء لأن هناك عقد ابرم بينه (وهو المفتقر) وبين الوكيـل (وهو غير المثرى).
_________________________________

(1)- د/بلحاج العربي-المرجع السابق- ص459.
(2)- نقض مدني فرنسي في12/11/.1977

كذلك يمتنع على المفتقر الرجوع علـى المثرى بدعوى الإثـراء إذا استنـد المثري إلـى نص فـي القانون، فالعمل غير المشروع يعد سببا قانونيا يمنع من الرجوع بدعوى الإثراء، فـلا يلتزم مثلا من أخذ تعويضا عن ضرر أصابه برد هذا التعويض لأنـه قد كسبـه بسبب قانوني وهـو العمل غير المشروع، تماما كما لو اكتسب شخص ملكية الشيء بالتقادم، فـلا رجـوع للمالك الأصلي عليه بدعوى الإثراء، لأن التقادم هو سبب قانوني لاكتساب الحق العيني.
وقد يتبادر إلـى الذهن أن العقود الملزمة لجـانبين، يمكن أن تؤدي إلى افتقـار أو إثراء أحد الطرفين إذا كانت التزامات الجانبين غير متعادلة غير أن التعادل مفروض فيها قانونا، طالما انه لم يثبت وجـود مـا يبرر تطبيق أحكام الغبن أو أحكام الظروف الطارئة وفقا للقانــون، وكذلك الشأن بالنسبة للعقود الاحتمالية(1).ويتضح بناءا على ما أسلفناه أن انعدام السبب القانوني للإثراء، يخول للمدعي المفتقر حـق المطالبة بالتعويض من المدين المثرى.
كما انه تجدر الإشارة إلـى أن هناك مسألة سكت عنهـا المشرع الجزائري عند تنظيمـه لأحكـام الإثراء بلا سبب، وحسن فعل وهي المتعلقة بالصفة الاحتياطية لدعوى الإثراء وكذا شرط بقـاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى، وهو ما سوف نبينه في الفرعين الآتيين.

الفرع الأول الصفة الاحتياطية لدعوى الإثراء.

يقصد بالصفة الاحتياطية لدعوى الإثراء أن الدائن المفتقر لا يجوز لـه أن يسلكها، إذا وجـدت دعوى أخرى إلى جانبها، ناشئة عن مصدر آخر من مصادر الالتزام يمكنه اللجوء إليها.
ولقـد استقـر الـقضـاء الفرنسـي الـقديـم علـى أن دعـوى الإثـراء هـي دعـوى احتيـاطيـة متأثـرا بأفكار الفقيهين "أوبري" و "ورو"، كمـا أن الخلاف حول انعدام السبب (action subsidiaire) القانوني للإثراء كرس هذا الاتجاه (2) وكذلك الشأن بالنسبة للقضاء المصري القديم.
والواقع أن القول بأن دعوى الإثراء بلا سبب، هـي دعوى احتياطية قـول لا يستند على أي أسـاس قانوني، وفيـه تناقض، ذلك أن انعدام السبب القانوني للإثراء هو ركن تقوم عليـه دعـوى الإثـراء.

وأن الدعاوى الناشئة عن مصادر الالتزام الأخرى هي دعاوى مستقلة، ومن ثم فدعوى الإثراء هي دعوى أصلية متى توافرت أركانها السابقة الذكر،فمن غير المنطقي أن ينعدم السبب ويتوافر في آن واحد(1) والمشرع الجزائري لم يقع في هذا التناقض عندما اعتبر أن دعوى الإثراء بلا سبب مثـل دعاوى العقـد ودعاوى المسؤولية- وهذا رغم قلة التطبيقات في إطـار الممارسة القضائية- تنشأ كلمـا توافرت أركانها القانونية،وبذلك يكون المشرع قد تجاوز ما استقر عليه القضاء والفقه في فرنسا والاتجاه القديم في مصر(2).


_(3)-د السنهوري- المرجع السابق- ص1292.
(1)-ومن أمثلة ذلك عقد التامين.كأن تقوم شركة التامين بإعادة بناء منزل المؤمن عليه ضد الحريق فيكسب المالك بذلك قيمة الفرق بين المنزل الجديد والمنزل القديم، ولكن هذا الكسب ليس بدون سبب ولكن مصدره عقد التامين.انظر في هذا المعنى(د/سليمان مرقس. الوافي في شرح القانون المدني.في الالتزامات.الجزء3.ص 98.97 ).
). Naquet) (2)- نقض مدني فرنسي في 12/05/1941،سيري. 1919. 1. 41 تعليق


الفرع الثانيعدم اشتراط بقاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى.


لم يشترط المشرع الجزائري بقاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى كما فعل ذلك المشرع الفرنسـي وبحسبه إذا زال الإثراء قبل رفع الدعوى فإن ذلك لا يمنع المدين المثرى من تعويض الدائـن المفتقر.
والاتجاه السليم هو أن العبرة بوقت تحقق الإثراء، وهو وقت نشوء الالتزام، فلكل التزام محل ووقت تعيين المحل هو وقت نشوء الالتزام، وتلك هي القاعدة في جميع مصادر الالتزام الأخرى.
والإثراء كواقعة يقدر وقت حصوله، لا بوقت رفع الدعوى. أمـا قيمة الافتقار فتقـدر وقت النطـق بالحكم، قياسا على تقدير التعويض في المسؤولية التقصيرية(م131 ق.م)(3).وفي نفس الاتجاه سار القانون المصري عندما نص في المادة 179 على أنه "...ويبقى الالتزام قائما ولو زال الإثراء فيما بعد." فالقاعدة إذن في القانون المصري هي أن تقدير الإثراء يكون وقت تحققه، ولا عبرة بما يطرأ عليه بعد ذلك ومن زيادة أو نقص.

<><>

المبحث الثاني أحكام الإثراء بلا سبب.

إذا توافرت أركان الإثراء بلا سبب السابقة الذكر، فإنه يترتب في ذمة من وقع له إثراء أو زيـادة فـي ذمته المالية، التزام بتعويض من وقع الإثراء على حسابه، وهـو التزام بالـرد.كما ينشأ للمفتقـر الحـق في الدعوى وهي الوسيلة التي تمكنه مـن المطالبة بمـا فاتـه من كسـب، أو منفعـة أو مـا لحقه مـن خسارة، وذلك بمجرد حصول واقعة الإثراء التي تمس بمركزه القانونـي، حتـى ولو كـان هو غير مميز لأن نشوء الالتزام في هذه الحالة لا يقوم على إرادتـه، ولا يستند إليها.
وعليه فسنتناول في هذا المبحث الأثر من تحقق الإثراء بلا سبب وذلك من خلال مطلبيـن مستقليـن نتناول في الأول نشوء الحق في الدعوى وفي الثاني نتكلم عن جزاء ذلك وهو التعويض.

(1)- إن المحكمة العليا لا تراقب إلا توفر شرط انعدام السبب القانوني.باعتباره الركن القانوني أما الافتقار والإثراء فهما واقعتان ماديتان تخضعان لحرية الإثبات ولتقدير قاضي الموضوع.
(2)- د/بلحاج العربي-المرجع السابق-ص 465.
(3)- قررت محكمة النقض الفرنسية في حكم 11-10-1968.وجوب رد الإثراء إلى يوم حدوثه.

-16-

المطلب الأول نشوء الحق في دعوى الإثراء.

ينشأ الحق في الدعوى بمجرد حصول واقعة الإثراء التـي لا تستند إلى أي أساس قانونـي، فتمكـن شخص من منفعة معينة، وتفقر شخص آخر دون أي سبب أو مبرر قانوني.

الفرع الأول احكام دعوى الإثراء.


نتناول في هذا الفرع ثلاث نقاط وهي:
ا/ طـرفـا دعـوى الإثــراء.
ب/ الأهليـة في دعـوى الإثراء.
ج/ مسألة تعدد المثرين والمفتقرين.
أ/ طرفا دعوى الإثراء.(ACTION DE IN REM VERSO)
طرفا دعوى الإثراء هما المفتقر وهو المدعـي، والمثرى وهو المدعي عليه.فالمفتقر هـو وحده الـذي يحق له أن يطالب بالتعويض بموجب دعوى الإثراء ويقوم مقامـه النائب والخلف(1) فإذا كـان المفتقـر قاصرا ناب عنه وليه أو وصيه، أو القيم عليه إذا كان محجورا عليه، ووكيل التفليسة إذا كان مفلسا، أما إذا كان المفتقر راشدا فينوب عنه الوكيل.كما يمكن للخلف المتمثل فـي الوارث وهو الخلف العـام، وفـي الدائن وهو الخلف الخاص، إذا مـات المفتقر الحلول محلـه للمطالبـة بالتعويض، فيمكن للدائن المفتقر مطالبة المثرى بالتعويض وذلك باستعمـال حق المفتقر عن طريق الدعوى غير المباشرة، ويجوز أن يتنازل المفتقر عن حقه في التعويض لشخص آخر هو المحال له، فيصير هذا الأخير دائنا للمثرى.أما المدعى عليه المثرى، فهو الوحيد المسؤول عن تعويض المفتقر ويقوم مقامه في المسؤوليـة النائب والخلف(2).
ب/الأهلية في دعوى الإثراء.
لم يشترط المشرع الجزائري في نص المادة141 ق.م أهلية ما في أي من المدين المثرى حسن النية والدائن المفتقر، فناقص الأهلية أو عديم التمييز يمكنه أن يـكون مدعيـا أو مدعى عليـه في دعـوى الإثراء.
وفي هـذا ورد نص المـادة 141 عامـا بقوله "كل مـن نـال عـن حسن نية..." عكس المشـرع المصري الـذي نص على الأهليـة صراحـة في المادة 179 من القانون المدني.بقوله

(1)- د/نبيل إبراهيم سعد-النظرية العامة للالتزام-الجزء 1- مصادر الالتزام في القانون اللبناني والتشريعات العربية ص 464.
(2)- خلف المثرى هو وراثة، لكنه لا يرث في الشريعة الإسلامية.إلا بعد سداد الديون.
-17-
"كل شخص ولو غير مميز يثـرى دون سبب مـشروع...".
إن عدم اشتراط الأهلية في دعوى الإثراء يتماشى مع المنطـق القانوني السليم، ذلك لأننا لسنا بصـدد الالتزامات الإرادية التي يلتزم فيها الشخص بإرادته كما في حالـة العقد، كما أننا لسنا بصدد المسؤولية التقصيرية القائمة على أساس الخطأ والتمييز ركنـه المعنوي. فالملتزم بمقتضى الإثراء لا يلتزم بإرادته أو استنادا إلى خطا صدر منه، حتى تشترط الأهليـة فيه، بل أن أساس التزامه هو واقعة الإثراء فمتـى تحققت قام الالتزام في ذمته(1). وذلك بصرف النظر عن كونه مميز أو غير مميز، بيد أن المثرى إذا كان غير كامـل الأهلية، فإنـه لا يلتزم إلا برد مـا عاد عليه من منفعة فعلا، طبقا للمـادة 103/2 ق.م، فإذا حدث أن فقد شيئا مما جناه من ربح أو فائدة، فلا يحسب ما فقده في تقديـر إثراءه.
ج/ مسالة تعدد المثرين وتعدد المفتقرين.
لم يرد نص في القانون المدني الجزائري ينظم حالة تعدد المثريين أو المفتقرين في دعوى الإثراء كمـا فعل في الفضالة في المادة 154 ق.م حيث نصت على أنـه "وإذا تعـدد الفضوليون في القيام بعمـل واحد كانوا متضامنين في المسؤولية".
وعليه وفي غياب النص على التضامن فإنـه إذا تعدد المثرون كان كل واحد منهم ملزما برد مـا أثرى به، بقدر نصيبه أي بأقل القيمتين، كما لو أثرى شركاء في الشيوع على حسـاب الغيـر، فيصيـر هؤلاء مدنيين للمفتقر بالتعويض دون تضامن بينهم لأن التضامن لا يفترض في غياب النص، وكذلك الشأن إذا تعدد المفتقرون في دعوى الإثراء، كان لكل منهم حق استرداد مـا افتقر به في حدود الإثراء الواقع، ودون تضامن(2).

الفرع الثاني الإثبات في دعوى الإثراء.


إن الحق إذا عجز صاحبه عن إثباته أمام القضاء فإنه يتجرد من قيمته، وأنه من الناحيـة العملية لا وجود للحق مجردا من دليله عند المنازعة فيه(3).
والإثبات في دعوى الإثراء يخضع للقواعد العامـة، ضمـن مـا نصت عليـه المـادة 323 ق.م و مـا يليها إذ نصت على أنه "على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه".
______________________________
(1)- د/احمد شوقي محمد عبد الرحمان.البحوث القانونية في مصادر الالتزام الإدارية وغير الإدارية.دراسة فقهية وقضائية.ص432.
(2)- د/سليمان مرقس.المرجع السابق.ص.141.
(3)- ملزي عبد الرحمان.طرق الإثبات في المواد المدنية.محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة.الدفعة14.سنة 2004.
- 18-
ولما كان المفتقر في دعوى الإثراء هو الدائن فإن عليه يقع عبء إثبات قيام الالتزام في ذمة المدين المثرى، حيث يبرز المصدر الذي أنشأ له الحق الذي يطالب به في الدعوى، فيجب عليـه أن يثبت مـا أصابه من افتقـار ومقدار ذلك ومـا عـاد على الدين من إثـراء ومقدار ذلك، أي يثبت بصفة عامـة أركـان الإثراء.
والإثراء يفترض فيه أن له سبب كأصل، ولا يكلف المثرى بإثبات هـذا السبب، فإذا ادعى المفتقـر أن ليس للإثراء سبب فعليه إثبات ذلك، وهناك اتجاه في الفقه يرى عكس ذلك(1).
أما وسائل إثبات دعوى الإثراء، فإنه باعتبار أركان الإثراء هي كلها وقائع مادية فإنه يمكن إثباتهـا بكافـة طرق الإثبات(2).بما في ذلك البينة والقرائن، ويلاحظ أن التمسك بقاعدة الإثراء بلا سبب أمام المحكمة هو دفاع جوهري تلتزم المحكمة بالرد عليه(3).
والحكم الذي يصدر في دعوى الإثراء بلا سبب، لا ينشىء الحق في التعويض بل أنـه يكشف عنـه ويقرره فقط، لأن الحق في التعويض نشأ وقت اكتمال أركان الالتزام (4).

الفرع الثالث تقادم دعوى الإثراء.


نصت المادة 142 ق.م على أنـه "تسقط دعوى التعويض عن الإثـراء بلا سبب بانقضـاء عشر سنوات مـن اليوم الذي يعلم فيـه مـن لحقته الخسارة بحقه في التعويض، وتسقط الـدعوى فـي جميـع الأحـوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق" (5 ).وتعتبر هذه المدة مدة تقادم تخضع للقواعـد العامـة في التقادم المسقط.
وعليه فإن دعوى الإثراء تتقادم في القانون الـمدني الجزائـري بأقصر الأجليـن، عشـر سنـوات أو خمس عشرة سنة، تبدأ مدتهـا من اليوم الذي يـعلم فيـه الدائن المفتقر بحقـه في التعويض بالنسبـة للـمدة الأولى وتسري الـمدة الثانية من يـوم نشـوء الالتزام بالتعويض، وهو يـوم حصول واقعـة الإثـراء.وتجدر الملاحظة أن الحكم القضائي الصـادر في دعوى الإثراء هو الذي يقرر نشـوء حـق المفتقـر وقت تحقق الإثراء على حسابـه كما هو الحـال في المسؤوليـة التقصيرية، كمـا يحدد هذا الـحكم مقدار ومبلغ التعويض.
_____________________________________________
(1)- د/السنهوري.المرجع السابق.ص1326.
(2)- قضت محكمة النقض المصرية فيما معنى المادة 179 مصري، و141 جزائري أنه إذا تولى شخص عملا لأخر وأدى هذا العمل إلى افتقار.ولما كان الإثراء والافتقار من الوقائع المادية فانه يصح إثباتها بجميع وساءل الإثبات ومنها البينة والقرائن(نقض في 5/03/1976).
(3)- د/عبد السيد تناغو.نظرية الالتزام.فقرة 256..
(4)- د/ محمد صبري السعدي.المرجع السابق.ص 257.
(5)- تقابل المادة 142.المواد181 سوري، 263 كويتي، 311 أردني، 183 ليبي، 244 عراقي.

وإن هذا الحق المقرر بموجب الحكم لا يتقادم إلا بمضـي 15 سنـة، تسري من يوم صدور الحكـم وفي ذلك قررت المحكمة العليا بأنه "من المقرر قانونا أنـه لا يجوز للمحكمة أن تقضي تلقائيا بالتقادم"(1).
ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد أطال من مدة التقادم(2) وهـو نفس الحكم قرره المشرع المصـري فـي المادة 180 ق.م.

المطلب الثاني الالتـزام بالتعويــض.


بحصول واقعة الإثراء ينشأ الالتزام على عاتق المدين المثرى بتعويض الدائن المفتقر في حدود مـا أثرى به،وما لحق المفتقر من خسارة، على أن لا يكون لهذا الإثراء سبب يبـرره وإلا زال الالتــزام بالتعويض، كما أنه يجوز للمفتقر الرجوع على الغير في حدود مـا تسمح به قواعد الخلافة الخاصـة.

الفرع الأول حدود الالتزام بالتعويض.


إنه طبقا لنص المادة 141 ق.م فإن الـمدين المثرى يلتزم برد أقل القيمتين، قيمة الإثـراء وقيمـة الافتقار، وهذا عكس الدفع غير المستحق والفضالة حيث لا يقتصر التعويض فيها على أقل القيمتين لأن المفتقر في الحالتين أولى بالحماية من المفتقر في دعوى الإثراء بلا سبب، وحدود التعويض في الإثراء بلا سبب مردها إلى أن الدائن المفتقر لا يحاسب على خطأ ارتكبه، حتى يعوض كامل الخسـارة وإنما يحاسب على ما ناله من إثراء فعلا وبحسن نية، كما أن العدالة تقتضي أن لا يزيد التعويض عن خسارة المفتقر، لأنه لو زاد عن ذلك أعتبر وكأنه إثراء آخر بدون سبب.
ولقد قضي في مصر ويصلح عندنا في الجزائر" أنه لما كان مبدأ الإثراء يقتضي أن يلتزم المثـرى بتعويض الدائن عما افتقر به –ولكن بقدر ما أثرى- أي أنه يلتزم برد اقل القيمتين الإثـراء والافتقـار وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر، والتزم في تقدير قيمة ما زاد من مـال المطعون في عقد المقاولة الذي قضي بفسخه، فإنه يكون قد اخطأ في تطبيق القانون" (3).
كما أن هناك حالات طبقت فيها قاعدة الإثراء بـلا سبب تطبيقا تشريعيا منها حـالة البناء علـى أرض الغيـر، والمصروفــات النافعـة (4)، فقـد قـررت المحكمــة العليــا فـي قــرار

-20-

صـادر في 25/03/1998 مما جـاء فيه"...ولما ثبت من قضية الحـال أن تعويض المستفيد بقطعة أخـرى مماثلة لا يمنعه مـن الحصول علـى تعويـض عـن المنشآت والتجهيزات التي أقامهـا عند تخليـه لصـالح المالكيـن الأصليين لقطعـة أرض أخرى...ولما قضى قضاة المـجلس بإلزام المستفيد مـن الإثراء أن يعـوض بقيمة مـا أثرى به على أسـاس المادة 141 من ق.م فإنهم يكونون قـد طبقوا القانون تطبيقا سليما"(1).

الفرع الثاني كيفية تقدير الإثراء والافتقار.


إن تقدير الإثراء يكون وقت تحققه، أي وقت حصول واقعـة الإثراء ويتولى القاضـي تقديره بصفـة مستقلة مع مراعاة التعويضات الأخرى، كالتعويض عن التأخير في الوفاء، والمصروفات، وهو ما أكدته المحكمة العليا في القرار الصادر في 21/10/1987 السابق ذكره.أما في القانون الفرنسي فـإن تقديـر قيمة الإثراء يكون وقت رفع الدعوى(2).أما وقت تقدير الافتقار فيكون وقت النطـق بالحكم قياسا علـى التعويض في المسؤوليـة التقصيريـة.
ويرى الدكتور محمد صبري السعدي والأستاذ محمد حسنين بأنـه يتم تقدير الإثراء والافتقار فـي وقت واحد وهو وقت رفع الدعوى.
ويرى السنهوري أن السبب فـي اختلاف وقت تقدير الإثـراء عن وقت تقدير الافتقار، يرجع إلـى أن الإثراء يدخل في ذمة المثرى من وقت تحققه، ويصير جزءا من ماله فيتحمل ما يطرأ عليه من تغييـر ولذا لا يمكن تقديره، تقديرا نهائيا، إلا من وقت صدور الحكم(3).
والتقدير يكون حسب طبيعة الإثراء، الذي قد يكون نقدا أو تحسينات، أو منفعة، أو خدمة، كمـا أنه قـد يكون سلبيا.ويتولى القاضي تقدير الإثراء ويخصم من قيمتـه، مـا يكون المثرى قد أنفقـه مـن مصروفات للحصول على هذا الإثراء، مع مراعاة الفوائد التأخيرية وقيمة العملة (4) .



(1)- (القرار عن غ.م في 12/03/1986.ملف رقم 35324 م.ق 1993.1.ص11).
(2)- د/علي.علي سليمان –مصادر الالتزام-فقرة 159.
(3)- نقض مدني.جلسة 17/03/1970- مج المكتب الفني-السنة 21.ص 45.
(4)- د/السنهوري-المرجع السابق- ص1332.



الفرع الثالث جواز رجوع المفتقر على الغير.

لا يمكن للمفتقر الرجوع على الغير، إلا في حدود ما تسمح به أحكام الخلافة الخاصة، ويستوي في ذلك أن يكون معاوضا أو متبرعا إليه، ويحصل الغير في هذه الحالة على الإثـراء بسبب عقد المعاوضـة أو التبرع المبرم مع المثري، وعليه فإنه لا مجال لتطبيق قواعد الإثراء على الغي

وتجدر الملاحظة فـي الأخير أن التعويض الواجب للمفتقر هو دين شخصي له في ذمة المثـرى لا امتياز له، لأن الامتياز لا يكون إلا بنص.
كما أنه قد يثبت في بعض الحالات للمفتقر الـحق في حبس مـال المثرى حتـى يستوفـي حقـه مـن التعويض، كقيـام المفتقر بحبس الأرض التي أجري عليهـا تحسينات حتى يستوفي حقـه فـي التعويض.
وبعد هذه النظرة الوجيزة على قاعدة الإثراء بلا سبب باعتبارها مصدر من مصادر الالتزام – كمـا سبقت الإشارة إلى ذلك- ننتقل في فصل ثاني مستقل لدراسة أهم تطبيقين للإثراء بلا سبب وهما الدفـع غير المستحق والفضالة، ويعتبران صورتين متميزتين من صور الإثراء(1).



(1)- ملف رقم 179146 قرار بتاريخ 25/03/1998.م.ق 1998 .عدد 1.ص 71.
(2)- (نقض مدني فرنسي.في18/01/1960.دالوز1960.753).
(3)- يعتبر احمد حشمت أبو ستيت.وسليمان مرقس.أن وقت تقدير الافتقار هو وقت وقوعه.
(4)- انظر( المواد 95.186.103.ق.م.ج)
(1)- د/. السنهوري المرجع السابق ص.- 1339-


المراجع

د/عبد الرزاق احمد السنهوري، نظرية الالتزام بوجه عام-مصادر الالتزام
 القانون05-10 المؤرخ في 20/06/2005.الالتزام بالإرادة المنفردة تنطبق عليه أحكام العقد
الأستاذ ملزي عبد الرحمان.الإثبات في المواد المدنية.محاضرات أّلقيت على الطلبة القضاة الدفعة 14-2004
قرار المجلس الأعلى.غ.م.18/07/1969 .ن.ق 1972. 1.ص 45
د/أنور طلبة.الوسيط في شرح القانون المدني
author-img
ala ridha

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent