المذاهب الفقهية في تفسير القانون إن إهتمام المذاهب الشكلية ينصب إلى النظر في شكل الظاهرة القانونية دون النظر إلى الجوهر والباطن فالقانون حسب المدرسة الشكلية هو مجموعة من القواعد الأمرة أو الناهية يصدرها الحاكم إلى المحكومين وما على المحكومين إلا تطبيق هذه الأوامر، فهنالك أربعة مذاهب تنضم تحت لواء المدرسة الشكلية وهي كالأتي:
أولا: مـذهب “جـون أوستن” الفيلسوف “أوستن” إنجليزي : وهو أستاذ لفلسفة القانون بجامعة لندن في النصف الأول من القرن 19 ،ولقد عرف أو ستن القانون بأنه أمر ونهي يصدره الحاكم إستنادا إلى سلطته السياسية يوجهه إلى المحكومين ويتبعه جزاء. لقد حدد أوستن شروط يجب توفرها لكي ينشأ القانون وهي:
1 وجود حاكم سياسي: فيرى أوستن أنه يجب أن يكون حاكم سياسي توكل له السلطة السياسية ويدين له المحكومين بالولاء والطاعة.
2 وجود أمر ونهي: وجب حسب أوستن أن تكون القاعدة القانونية أمرة أو ناهية فالقانون ليس نصيحة يستطيع الأفراد الأخذ بها أو تركها متى شاءوا بل وجب أن يكون أمرا أو نهيا.
3 -وجود جزاء: يرى أوستن أن عنصر الجزاء الذي يترتب عن مخالفة أي أمر أو نهي يصدر عن الحاكم هو جانب أساسي في القاعدة القانونية ولا قانون بعيدا عن الجزاء يوقعه الحاكم على من يخالف أوامره ونواهيه.
2 النتائج المترتبة عن مذهب أوستن
2. 1 إنكار الصفة القانونية على القانون الدستوري: إن القانون الدستوري يحدد كل مقومات وإختصاصات الدولة (من ناحية الحكم والمجتمع)، ومن هنا فإن القانون الدستوري يضبط ويكبح حرية الحاكم في إستغلال السلطة لذا يرى أوستن أن الحاكم يستطيع مخالفة قواعد القانون متى شاء ذلك لعدم وجود جزاء يوقع على الحاكم فهو صاحب سلطة توقيع الجزاء من ناحية ومن ناحية أخرى قواعد القانون الدستوري تصدر عن سلطة أدنى من الحاكم، فأوستن إرتكز على حجتين أساسيتين بإنكار الصفة القانونية للقانون الدستوري وأطلق عليها “قواعد الأخالق الوضعية”.
2.2 إنـكار الصفة القانونية عن القانون الدولي العام: يهتم القانون الدولي العام بتنظيم العلاقات بين الدول وفي هذا الشأن يرى أوستن أنه الوجود لسلطة عليا تعتبر كهيئة حاكمة تراقب تطبيق أوامر ونواهي القانون الدولي العام ولو كان ذلك بالجبر فكل الدول متساوية في الحقوق والسيادة ومن هنا جاء إنكار أوستن للصفة القانونية للقانون الدولي العام فهو يعتبره مجرد قواعد مجاملات وبروتوكولات.
1 التشريع كمصدر وحيد للقانون: يرى أوستن بأن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون لأنه يحتوي على صفة الأمر والنهي وهو صادر عن الحاكم
2 التقيد إلرادة المشرع بتغيير النصوص أو القواعد القانونية: وجب على المفسر التقيد والبحث عن إرادة الحاكم التي أراد أن يضمنها القانون أثناء الوضع دون النظر في تغير الظروف التي وقع فيها القانون وهنا ثالث من النيات: النية الحقيقية، النية الإفتراضية، النية الإحتمالية.
3 الإنتقادات الموجهة لمذهب أوستن
– يقول أوستن أن القانون هو إرادة الحاكم وهو ينفذها جبرا هو خلط بين مفهوم القانون والقوة.
– أخلط بين مفهوم القانون والدولة إذ يمكن أن ينشأ القانون في مجتمع بدائي بعيد عن الدولة.
– عدم الإعتراف بالعرف كمصدر للقانون رغم أن الواقع يثبت عكس ذلك.
– إنكار الصفة القانونية للقانون الدستوري رغم أن هذا الاخير يمثل أعلى قوانين الدولة
– إنكار الصفة القانونية للقانون الدولي العام رغم أن هذا الأخير يتمتع بالصفة القانونية التامة.
– عدم النظر إلى تغير الظروف عند تفسير القوانين يؤدي إلى جمود القاعدة القانونية.
ثـانيا: مـذهب هيغل
عمل “هيغل” الفيلسوف الالماني كأستاذ في بعض الجامعات الألمانية في بداية القرن 19 ، وتتلخص فكرة هيغل في أنه الوجود لقانون بعيدا عن إرادة الحاكم إذ يستمد القانون شرعيته وقوته الملزمة وأساسه من صدوره من الدولة، إذ ينادي هيغل بالسلطان التام للدولة في المستويين الداخلي بخضوع الأفراد للدولة، والخارجي بخضوع الدول الأخرى لها، فالدولة حسب هيغل هي سيدة نفسها ومنها أن المجتمع لايعدو أن يكون دولة إلا إدا ذاب فيه جميع الأفراد من أجل تحقيق المصلحة العام المشتركة، فالدولة هي تسييد لإرادة وحرية الإنسان ولا تتحقق حرية الفرد إلا بإندماجه في الدولة ومن ثم الخضوع التام لها، كذلك يرى هيغل أنه إذا حدث وتوازنت دولتان في ميزان القوى فإن الوسيلة الوحيدة لفك النزاع بينهما هي الحرب.
2 النتائج المترتبة عن مذهب هيغل
– التشريع هو المصدر الوحيد في النظام القانوني.
– القوة هي الركيزة الأساسية لسيادة الدولة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
– الحرب هي هي وسيلة عادلة ومشروعة لفك النزاعات الدولية.
– الوجود لارادة وحرية فردية بل هناك إرادة جماعية يعبر عنها الحاكم.
3 الإنتقادات الموجهة لمذهب هيغل
– التشريع ليس المصدر الوحيد في النظام القانوني.
– إراد الحاكم المعززة بالقوة تؤدي إلى الإستبداد.
– أخلط بين القوة والدولة وأعطى من خلال ذلك القوة أهمية كبيرة مبالغ فيها.
– فكرة هيغل فيما يخص الحرب يؤدي إلى إضطراب العلاقات الدولية وعدم إستقرار المجتمع الدولي.
ثـالثا: مـذهب الشرح على المتون
فكريا مذهب الشرح على المتون ينسب أساسا إلى فقهاء القرن 20 الذين إستخلصوا من طريقة أصحاب الشرح على المتون في تفسير وشرح القانون، فقد نتج هذا المذهب عن مجموعة من الأفكار الفرنسيين الذين عملوا على تجميع أحكام القانون المدني الفرنسي في القرن 19 ليعرف بإسم تقنين نابليون ومن بين الفقهاء نذكر أوبر و لوران وهو بلجيكي الأصل. لقد ترتبت عن مذهب الشرح على المتون فكرتان أساسيتان:.
1 تقديس النصوص التشريعية: لقد كانت فرنسا منقسمة قانونيا بين تطبيق نظام قانوني مستمد من التقاليد والعرف في القسم الشمالي، يقابله في القسم الجنوبي تطبيق نظام قانوني مستمد أساسا من القانون الروماني وبعد مجيئ تقنين نابليون وحـد النظام القانوني الفرنسي، هذا ما جعل رجال القانون يؤمنون أشد الإيمان بهذا التقنين وأصبح تقديسه أمرا المناص منه.
2 إعتبار التشريع المصدر الوحيد للقانون: فقهاء الشرح على المتون يقرون بأن التشريع مصدر وحيد وأوحد للنظام القانوني حيث لايمكن الأخذ بالمصادر الأخرى ذلك أن القانون يعتمد أساسا على النصوص المكتوبة والتي يسنها المشرع والمتمثلة في التشريع.
3 النتائج المترتبة عن مذهب الشرح على المتون
– إلتزام القاضي بأحكام النصوص التشريعية إذ اليجوز له الخروج عن النصوص أو المساس بها نظرا لقدوسيتها.
– إذا عجز الشارح أو المشرع المعني عند إستخلاص قاعدة ما من نصوص التشريع فإن اللوم والعيب فيه لا في المشرع لأن التشريع يحتوي على جميع القواعد والمبادئ اللازمة لجميع الحالات.
– وجوب الرجوع إلى نية وإرادة المشرع وقت وضع النصوص وهذا عند شرح أو تغيير النصوص التفسيرية.
4 النقد الموجه لمذهب الشرح على المتون
– إهماله للعرف كمصدر أساسي في النظام القانوني.
– تقييد المفسر والشارح بإرادة المشرع وقت وضع النصوص يؤدي إلى جمود القاعدة
القانونية.
– تأييد الحكم اإلستبدادي من خالل تقديس النصوص ومن ثم التقي دبها.
– إن فكرة الخطأ الناجم عن التفسير والذي يرجع على المفسر فكرة مبالغ فيها فالمفسر بشر يمكنه الخطأ.
رابـعا: مـذهب كلسن
شغل الفيلسوف النمساوي “كلسن” أستاذا لفلسفة القانون بجامعة فيينا سنة 1917 إهتم
بفلسفة القانون وأنشأ مذهبا عرف بمذهب “القانون البحت” أو “الصافي” ويقوم مذهبه على
أساسين هما:
1إستبعاد جميع العناصر غير القانونية: إن فكرة القانون البحت تقوم على إقصاء جميع
العوامل الغير القانونية سواء كانت إجتماعية، إقتصادية، ثقافية، سياسية.
2 .وحدة القانون والدولة: لقد دمج كلسن بين مصطلحين هامين وهما الدولة والقانون إذ
يرى أن القانون هو الدولة والدولة هي القانون حيث أن الدولة ليست شخصيا معنويا.
3 النتائج المترتبة عن مذهب كلسن
– وحدة القانون وعدم جواز تقسيمه إلى قانون عام وقانون خاص.
– رفض التناقض بين إعتبار القانون إرادة الدولة وبين ضرورة تقيد الدولة بسلطان
القانون.
4 الإنتقادات الموجهة لمذهب كلسن
– إنكاره للعرف كمصدر أساسي للنظام القانوني.
– دمجه للدولة والقانون أمر مخالف للواقع.
– أسقط ميزتي العمومية والتجريد عند إقراره بوجود قواعد قانونية فردية.
– أهمل قواعد القانون الدولي العام حيث سلم بخضوع كل الدول لدساتيرها
– إقصاء كل العوامل الغير القانونية من القانون أمر مثالي لايمكن تطبيقه على أرض الواقع.